غموض وتشويق رواية التباس لا يوصف ، حيث تجد انتيل نفسها في صراع من نوع آخر ، لكن هذه المرة التقت بالسيد جاربي الفأر ، وهذا غموض من نوع اخر.
رواية التباس الفصل العاشر جاربي الفأر
هتفَّت بوغدون بِحدَّة واغتضاب في وجه النادل البدين وهي تنظر لصديقتها بعين الشفقة والخوف :
– أين صاحب المنتجع، نحن هنا مُنْذُ الفجر ولم يأتي إلينا كي يقدم لنا المساعدة .
كان النادل يقف بِالْقُرْبِ منها مرتديًا بنطالاً أسود وقميصًا أبيض وقفازات بيضاء ، ما أن علا صوتها حتى انحنى لها في أدب وإحترام وهو يقول بصوت خفيض :
– صاحب المتتجع لنا يأتي في هذا الوقت لأنه يسكن في مدينة أخرى، ولكن بعد أن أخبرناه بقصتك قرر الحضور. ثم بتر عبارته وتبسم ابتسامة عريضة وأتبع:
– الصبر يا عزيزتي كل شيء سيكون على ما يرام، هل أحضر لكُنَّ وجبة الإفطار أم مشروب ؟
اقرأ على موقعنا أيضاً : روايات اكشن عربية
قالت بوغدون وهي تنظر نحو صديقتها لتقول بشيء من الخجل بعد حديث النادل المهذَّب :
– آه، من فضلك وجبة الإفطار ومشروب البرتقال لصديقتي حتى تستعيد مناعتها . ماذا لديكم لوجبة الإفطار؟
رَدٌّ النادل وهو يقرأ على ما يحفظه عن ظهر قلب :
– لدينا الجبن والبيض والمربى بالعسل، وحليب الماعز وبعض الحلويات وحساء و…
قاطعته بوغدون قائلة وهي تشير بأصبعها :
– أحضر لنا ما تراه مناسبًا ، ومع ذلك أضف مشروب البرتقال وشكرا لك.
هزّ النادل رأسه ايجابًا ثم انحنى وغادر لتلبية طلباتهُنَّ. في تلك اللحظة شَعُرَتْ بوغدون بأنها كانت قاسية في حديثها معه خاصة وأنها ليس لها الحق في فعل كل هذا وهي لا تملك المال الذي ستدفعه بعد تناول وجبة الإفطار، ثم بدر في ذهنها سؤال عندما شاهدت بعض الأشخاص وهم يرتدون أحذية تختلف عن تلك التي في بلدتها فقالت تحدث آنتيل
– هل نحن في دولة أخرى يا أنتيل أنظري لهؤلاء الأشخاص .
ستجد أيضاً المزيد من : روايات جريمة
تلفتت آنتيل وهي تسترّق النظرَ بنظراتها المتعبة ثم أومأت برأسها قائلة بصوتٍ فاترَّ وهي تعيد رأسها على الطاولة:
– ربما نحن في بلد آخر . هذا ليس وقته يا بوغدون أين الطعام أشعر بهبوط حاد ورغبة في التقيئ .
لم يكن المكان مألوفًا لهُنَّ فقد بدت لهنّ تلك المقاعد المتراصَّة حول ساحة المنتجع وكأنها تعود لعصور قديمة، ما آثار غريزة الفضول في دواخلهن، فقد راودهن شعور سيئ للمكان والأشخاص الجالسين . هنا ومضت لبوغدون فكرة، بأن تبادر بالذهاب لرجلين كانا يجلسان بالقرب منهن ويتبادلون أطراف الحديث بصوت وشوش وضحكات مكتومة، قالت بوغدون و هي تجمع يديها أمامها تحدث الرجلين:
– صباح الخير، إسمي بوغدون من بلدة لا بورد و تلك صديقتي أنتيل من بلدة هوبم، أنا وصديقتي ضللنا الطريق، حتى عثر علينا رجل مسن وأخرجنا من تلك المتاهة جزاه الله خير، والان نرغب في العودة إلى الديار .
تفرَّس الرجل في وجهها وهو يعيد كوب قهوته على المنضدة التي أمامه وهو يقول :
– لم أسمع بهذه البلدة قبل اليوم، ولكن ما المطلوب منا وكيف نساعدكن ؟
سعلت بوغدون سعلة خفيفة واضعة يدها حول فمها ثم ردت على سؤاله:
– نحن نريد فقط أن نعود إلى بلدتنا، يا حبذا لو أشرت لنا إلى أقرب مكان للقطارات أو البص أو حتى شركة طيران يمكنها مساعدتنا وأكون ممتنة لك سيدي!
قال الرجل الآخر في دهشة وهو ينظر لصديقه تارة وتارة لبوغدون :
– طيران؟ وما هو الطيران عزيزتي لم أفهم ما تقصدينه، أجلسي بالقرب مني حتى أفهم منك أكثر!
حينئذٍ سحب الرجل الآخر مقعداً لتجلس عليه بوغدون التي كانت تشعر بشيء من الخجل والتوتر وذلك ما بدا لها في الوهلة الأولى من مظهر غير طبيعي بدا في قسمات وجوهوهم المتعجبة، خَاصَّةً عندما تلفت أحدهم يمنة ويسارا وهو يضحك ، جلست بوغدون وهي تجمع قدميها أسفل المقعد وتشبك أصابعها ثم راحت تسرُّد لهما تفاصيل ما حدث لهما بشيء من التردد والتستر على بعض التفاصيل المهمة . كان الرجلين يستمعان لها جيداً ولم يقاطعانها البتة، ثم وضع الرجل الذي بالقرب منها كوب قهوته الفارغ وخلف رجله ومال برأسه نحوها وأتبع يقول:
– يا له من أمر فظيع، ولكن بالعودة إلى تفاصيل قصتك لم أعرف أي إسم من الأسماء التي ذكرتيها، لم أسمع بمدينة بإسم هوبم التاسعة عشر أو حتى لا بورد قطَّ !
ثم أشار بيده نحو صديقه في وضع التعريف :
– أنا مايكل دوك وهذا صديقي المقرب جاربي الفأر…
ثم اتبع حديثه بمزحة خفيفة وابتسامة صفراء:
– لا تقلقي هذا فقط لقبه ولكنه ليس فأرًا على كل حال.
آه دعينا في موضوعك، نحن يا عزيزتي نعمل في شركة شارل ديغو مالكة هذا المنتجع وعملنا في السفريات ونقل المعدات الفندقية، وقد سافرنا لجميع بلاد الأرض عدا ما ورد على لسانك للتو، ولكن دعينا نوجه هذا السؤال لصديقي، هل سمعت بهذه الأماكن يا جاربي؟
هز جاربي رأسه نافيا دون أن يتفوه ببنت شفة، في تلك اللحظة شَعُرَتْ بوغدون بالغرابة وراحت بها افكارها في أزقة مظلمة لا تبعث في النفس أمل بالبقاء، ولم تفارق نظراتها وجه جاربي الفأر الذي ظل صامتًا طوال هذا الحوار، فقد كان فقط يتلفت يمنة ويسارًا ثم يعدل جلسته وياخذ شفطَّة من كوب قهوته الفخاري ثم ينظر للسماء وكأنه يخفي أمر ما ! كانت يوغدون مصدومة من واقعها الذي أشرقت عليه شمس الظهيرة البنفسجية، واقعها الذي لا تدري إلى أي مكان سيذهب بها بعد جاربي الفأر، وانهالت التساؤلات في خاطرها وقد خامرها الشكَّ للحظة بأن كل هذا ما هو إلا تمثيل وبداية لمعاناة جديدة، أَوْ ربما هؤلاء هم جزء من أفراد العصابة الذين خطفوا والدتها…
لم يكن واقعها أقل بؤسًا من صديقتها المريضة ولكن كانت تتظاهر بالقوة حتى لا تتخاذل قواها وتنهار ، وتتضاعف معاناة أنتيل وهي ترمقها بنظرات العطف والحنان، نهضت وهي تقدم عبارات الشكر و الإمتنان للرجلين اللذان كانا مثل شبح جاء ليشاطر الناس حياة الأضواء، ثم استدارت متجهة نحو مقعدها لتجلس بالقرب من رفيقتها، وما أن جلست وهي تضرب أخماسًا في أسدادس حتى سمعت صوت رجل يهتف بصوتٍ أجش:
– السيدة بوغدون، جاربي الفأر ليس مهوسًا أليس كذلك؟
غموض وتشويق القسم الثاني
شمش الصباح جاءت غفلةً بلا استئذان فتسللت عبر نافذة لينا الشرقية و لامست خُصلات شعرها المبعثر بعذوبة و دفئ ما جعلها تتقلب على مرقدها هنا وهناك وكأنها فرخ ينتظر قدو والدته، وعندما أحست بذاك الدفئ فاقت من نومها المتقطع لتقع عينها في الوهلة الأولى على صورة والدها المعلقة على الجدار بخيط سميك. ثم أغمضت عينيها في حسرة وألم، و جلست تتوسط سريرها وهي تجمع خُصلات شعرها وتدعك عينيها المتورمة من البكاء ، لم تفعل شيء في هذا الصباح، لم تسقي الزهور القابعة في شُرفة الشقة، ولم تطعم ذاك العصفور ذو الألوان المبهجة، ولم تفتح هاتفها كي ترسل رسالة لصديقاتها…
كان صباحًا هادئ لا صوت فيه سوى صوت ساعة الحائط، افتقدَّت صوت والدها جاكوب و ضحكاتهُ الساخرة وهو يقرأ الصحيفة الصباحية ، غلبها الشوق له كَثِيرًا ولم يمضي على غيابه سوى ساعات، فماذا لو استمر هذا الفراق لسنوات؟ كيف ستمضي بها الأيام بلا أب ولا أم وهي التي أعتادت أن تراه مُنْذُ نعومة أظافرها. فقد كان يَنبُوعًا تنهل منه لتواجه صعوبات أيامها المتقلبة، لوهله راودها شعور بالذهاب إليه، ذلك لخوفها من أن يحدث له مكروه بعد ما حدث في الليلة الماضية وصورة السائق و تهديداته لم تبارح فكرها .
ألقت نظرة عابرة لمحادثات الفيسبوك والواتس أب ولم يكن هناك شيء جديد إنها الرسائل الصباحية المعتادة وتلك ، المجموعات التي كانت مسؤولة عنها، توجهت نحو خزانة الملابس وأخذت الروب الوردي وعلى يدها الآخرى فرشاة أسنان، عازمة الخروج لزيارة والدها حتى تتابع قضيته المزعومة . وما أن وطأت قدمها عتبة باب الحمام حتى سمعت جرس الباب الخارجي يرن عدة مراّت ، فقد بدر في ذهنها أنه والدها وتوجهت مُسرعة حتى تشبع فضولها، ولما سحبت الباب بِسُرعة حتى تَغَيَّرَتْ ملامح وجهها وفغرّت فاهها في دهشة وغرابة وهي تلقي عبارات التساؤل والمفاجأة الساحقة، فقد كانت مفاجأة سارة وتمنت أن تأتي هذه اللحظة وهذا ما قالته تعابير وجهها الذي تلاشت منه تلك الطاقة السلبية التي غمرتهافي اللحظات الأولى ليومها :
– أنت ؟ ما الذي جاء بك إلى هنا؟ وماذا تريد مني ؟
كان شابًا مهندم حلو المنظر يرتدي بزَّة سوداء وربطة عنق وكأنها رسمت على صدره رسمًا ، كان يحمل حقيبة سفر وعلى عينيه المبتسمة نظارة طبية لامعة، في تلك اللحظة أقسمت أن هذه الإبتسامة لو وزعت لجميع أهل الأرض لكانت مصدرًا للسعادة الأبدية والحياة المفعمة بالحب والهدوء، بينما كانت تتفرس في قسمات وجهه رد على تساؤلاتها وهو يضع يده على مقبض حقيبته و يقربها نحوه .
– لقد أخبرتك مسبقًا عندما التقيت بك أمام قسم الشُّرْطَةَ بأنني أحبك وأنت كل شي في حياتي ولن أتوقف عن السؤال عنك عزيزتي لينا، أعلم بأن السيد جاكوب ليس بالداخل هل يمكنني الدخول حتى أخبرك من أنا؟
سكتت لينا برهة واختلجت أضلاعها رعشة وخوف من آتي قد يخيفها يَوْمًا ما، ذلك اليوم الذي ستعشق هذه العيون النابضة شوقا لها، وقتئذٍ لن يكون هناك دواء سواء الداء، ارتبكت قليلا ثم فَكَرَتٍّ برهة قبل أن تَتَّخِذَ هذا القرار الأبدي، كانت تعلم جِيدًا بأن دخوله يعني استقراره في قلبها دون حاجز . حاولت أن تصده هذه المرة أيضًا ولكن في الوقت نفسه كان صوتًا في دواخلها يحذرها من أن تضيع منها هذه الفرصة وتظل تنتظرها طوال العمر، شيء ما في دواخلها كان متحكمًا في تصرفاتها حتى بَدَتْ واضحة في قسمات وجهها ونظراتها التي فضحتها، شبكَّت أصابعها و هدأت أوصالها عندما تسللت تلك الكلمة التي لم تسمعها في حياتها قط، إنها الكلمة التي اشعلت حروبا لا هواد فيها، بالرغم من أن حروفها لا تتجاوز الثلاث حرفًا إلا أنها تحمل من المشاعر ما يكفي لتعيش سعيدة طوال حياتها، قالت وهي تنظر للأرض وشعور الخوف لم يبارح تلك الوقفة البريئة:
– سادعك تدخل ولكن عدني أولا …
– بماذا عزيزتي ؟
– بأن تخبرني بكل شيء، وكذلك من أخبرك بأن والدي ليس معي، اتفقنا ؟
– أتفقنا غاليتي!
غموض وتشويق القسم الثالث
هرّج ومرَّج عم ساحة قسم الشرطة و كأن أحدهم أشعل نارًا فلم يبقى ضابط أو فرد إلا وقد جاء إلى مكتب العقيد جاك عندما تبين أن هناك رجلين يشبهان بعضيهما في الشكل والطول، فقد أتخذّ القسم وضعًا للإستعداد و التأهب للمخاطر وتجمَّع عدد من الأفراد للقبض عليهما و زجهم في الحبس حتى يتم التحقق من هويتهم. قال جاكوب يحدث جاك :
– هذان الرجلان ورائهم كارثة وأمر عظيم يجب الحذر، وشيء آخر حدثتني به ابنتي بالأمس قالت…
قال جاك مقاطعا:
– أعرف فقد قرأت عن الحادثة في تقرير الضابط المناوب بما حدث في التلفاز ولقاء وزير الصحة …
ثم عم صمت للحظات بينهم ليقول جاكوب :
– وهل أنا سابقى هكذا مدان بجريمة لم أرتكبها وهؤلاء المجرمين يعبثون في أرضنا؟
– أهدأ يا جاكوب السيد القائد سيتصل بي بعد لحظات وقتها
– أهدأ يا جاكوب السيد القائد سيتصل بي بعد لحظات وقتها سنرى ما سيقرره ، أعتقد بأنك برئ بعد هذه الحادثة لأن هؤلاء دليل دامغ لبراءتك .
مَرَّتْ دقائق و رنَّ الهاتف و ارتفت معه ضربات قلب جاكوب الذي كان ينتظر قرارًا يخرجه من غياهب السجون حتى يرى ابنته و يعود لحياته. وضع العقيد جاك سماعة الهاتف وراح ينظر في وجه جاكوب بنظرات تحمل الخيبة والعجز، ثم مضى يقول في حسرة وآسف :
– يؤسفني أن أخبرك بأن القائد قرر وضعك في سجن المقاطعة الأولى !
إلى لقاء في الفصل القادم
دمتم بخير وكل عام وأنتم بألف خير صلاح شانوة
نحن نهتم بكتابة روايات غموض عربية ، لأن غموض الرواية له طابع آخر ، يشعر به القارئ ، لهذا ستجد في موقعنا العديد من غموض الرواية التي تاخذك لعالم آخر.