روايات عربي رواية التباس الفصل الحادي عشر

روايات عربي رواية التباس

أوقدَّت شِموْع حمراء و بيضاء و صفراء و خضراء ثم وُضِعت على شكَّلٍ دائري تتوسطهما ورود تلطَّف جو المكان عبقًا، يتوسط الورد أكواب زجاجية مملوئة بالنبيذ الأحمر، و تتراقص أضواء الشِموع

روايات عربي رواية التباس الفصل الحادي عشر السيد قط في هذا الفصل من روايات عربي تجد السيدة بوغدون نفسها عالم جديد لا تعرف عنه شيئ , لكن هناك احداث وشخصيات جديدة
توسطَّت الشمس السموات البعيدة ونثرت في الأرض بزور الدفئ والهدوء، بين طُرَّقات خاوية، ومنازل مهجورة ونوافذ تفتح نفسها وتغلقها برياح عاتية، وتلك الأزقة المحشوة بأوراق الأشجار . هكذا كان المشهد أمام عين بوغدون ، عندما بصُرّت له عبر نافذة مستديرة بينما كانت تجلس مع صديقتها في انتظار قدوم مدير المنتجع المجهول. أما أنتيل فقد صعب عليها الأمر وزادت معاناتها وقد راودها شعور بقرب الأجل ، كانت تتلوى على مقعدها الملاصق لبوغدون حينها قالت :
– ماذا يحدث لنا بحق السماء، و أين نحن؟
اقرا على موقعنا : أفضل روايات 2020
ضرّبت بوغدون بكفيها ثم أغلقت النافذّة وعادت لتجلس بالقرب من أنتيل قبل أن تقول بنبرة يأس: – ليتني أمتلك إجابات لسؤالك حبيبتي ، ليتني أعرف معني ما نحن فيه ، هذا المكان أكاد أجزم بأن خيرات الثورة الصناعية لم تغشاه قطّ . أشعر وكاني في القرن الثالث عشر .
حينها رفعت أنتيل بصرّها نحوها لترمقها بنظراتها المتعبة ، وهي تضع يديها على بطنها، ثم قالت:
– نفس ما فَكَرَتٍّ فيه يا بوغدون، ثم شيء آخر حدث عندما كنتِ تتحدثين مع الرجلين ، جعلني أكثر إيمانًا بهذه الفكرة، لأن ما حدث لا يمكنني أفتراض بأنه كان مصادفة، كذلك حدوثه لا يجب أن يحدث ونحن في القرن الحادي والعشرون .
وقتئذٍ جفلت بوغدون ومالت نحوها قَلِيلًا ثم أعادت خُصلات شعرها المتطاير بسبب مروحة السقف ذات الصوت المزعج وقالت متساءلة :
– و ماذا حدث أشرحي لي من فضلك .
سعلت أنتيل وهي تحيط فمها بيدها ثم ضربت على كتف بوغدون بلطف وقالت:
– بينما كُنتُ أستمع لحوارك مع الرجلين جاء أحدهم وضرب على كتفي مثل ما فعلت معك الأن وقال لي، هل أنتم تبع القومس قطَّ ، حينها لم أفهم سؤاله لأن ذهني كان مشغولًا بكي ، ثم رفعت رأسي عن الطاولة وسألته عن معنى ما يقصده بالقمس قَطُّ ، لكنه ترَّك لي ورقة على الطاولة ثم تقدم وجلس على ركن ليس ببعيد، وأصبح ينظر لي بنظرات غريبة وهو يدخن لفافتهُ .
أصيبت بوغدون بالدهشة، وفغرَّت فمها عريضًا كأنها تتثاوب ورفعت حاجبيها ثم قالت وهي تتلفّت هُنَا وَهُنَاكَ وتضع يدها أسفل ذقنها:
– الأن فهمت ما تقصدينهُ ، لأن لقب القمس هو لقب يعود للقرون الوسطى، ويطلق عادةً للنبلاء من الطبقات الثرية ، أما معنى الطريقة التي كان يحدثك بها الرجل هي نفسها طريقة الدعارة في تلك الحقبة الزمنية الغابرة، حيث يضع الرجل ورقة فارغة أمام التي تمارس تلك المهنة الوضيعة ثم يرحل، إذا وافقت هي على العرض تكتب له ما تبغيه في تلك الورقة . أعطني الورقة التي تركها لكي .

القسم الثاني من روايات عربي رواية التباس

دفنت أنتيل يدها داخل معطفها برّهة ثم سحبت ورقة بيضاء مطوية بعناية، ثم أَخَذَتْ بوغدون تفتحها، وبعد برهة ارتعدت قَلِيلًا عندما بدا لها ما كان يخامر عقلها ويشغلها ، بعد أن وجدت ذاك القوس الذي في الورقة، ثم طوتها مرة أخرى وأعادتها لأنتيل وهي تقول:
– هذا القوس يدل على أن الشخص الذي ترك لكي هذه الورقة ينتظر منك إجابة، وأراد منك كتابة المبلغ الذي تبغيه لقضاء بعض الوقت معه، لذلك جلس بعيدًا عنك حتى تكتبي المبلغ وتعيدي وضعها أمامك، بعد ذلك يأتي ويأخذها مرة آخرى، لكن عندما شاهدك تضعينها داخل جيب معطفك ظنَّ بأنك على إتفاق مع أحدهم، لذلك غادر المكان .
ضحكّت أنتيل ضحكة ساخرّة ثم قالت بصوتٍ فاتر:
– كل هذا وأنا لا أعرف ، نحن إذن في واقع آخر غير الذي نعلمه، وما السبيل إذاً يا بوغدون ؟
في أثناء تحاورهن بقلوب منكسرة، وعينين غشيتهم الحسرة والضياع، ومراجعتهُنّ أحداث مَضَتْ ولكن دون أن تهتدي كُلَُّن منهُن لحلٍ دامغ يخرجهن من محنة باتت واقعا ملموسًا وموت وشيك . حينئذٍ قطَّع خُلوتهن رجل مديد القامة، يحمل دفترًا على يدهُ ويخفي عينيه بنظارة سوداء، وخلفه حارسه الشخصي . ما أن إنتبه لهن حتى نزع نظارته وقال بوجه مشرق :
– أنتن اللائي في إنتظاري أليس كذلك؟
نهضت بوغدون في خِفّة واعتدلت ثم بادلته التحية في أدب أهل هوبم، وقد بدا لها من منظر السيد بأنه حلو المنظر وقوي الشخصية، حينها ردَّت بأبتسامة خفيفة وهي تجمع يديها أمامها:
– نعم يا سيد نحن من طلب لقائك، لأننا…
قاطعها السيد بالقول :
– أدعى السيد قطّ ، أو بالإنجليزية مستر كات . لا تندهشي عزيزتي فهذا إسم وليس لقب . فقد حاربت لتغيير هذا الإسم ولكن لم تساعدني إدارة السجل المدني في فعل ذلك .
تبسمت بوغدون ثم تبادلت النظرات مع أنتيل و تنحنحت وهي تحرك قدمها لتعدل وقفتها ثم قالت:
– نحن أحرار في إختيار أسمائنا، وفي الوقت نفسه هذا ليس محور إهتمام بالنسبة لي، لأنه لا يشكل جوهر الشخصية، إلا إذا كنت تهتم بالخرافات اليونانية في الأسماء .
عدل السيد قط ربطة عُنُقِهِ وقتئذٍ شعر بأن التي تحدثهُ فتاة مثقفة وعلى قدر عال من الفهم، وقتئذٍ قال وهو يشير بيديه وشبح ابتسامة ارتسمت على محياه : -تفضلوا بالداخل . أعتقد أنكن في مشكلة و يجب أن استمع لكن داخل مكتبي إذا كان هذا ممكنًا .
تقدم السيد قِطَّ بخفَّة ودلف داخل مكتبه، تبعته الفتاتين بخطوات متأنية، ما أن استقروا بالجلوس حتى سرحت بوغدون بنظرها وهي تشاهد ما يحتويه مكتبه من تحف آثرية قديمة، ومقاعد وثيرة. فقد تسائلت بينها وبين نفسها عما تشاهده أمام ناظريها ، فقد كان مكتبًا مرتبا ونظيف ، إلا أن الغرابة تكمن في محتواه. فالذي يقرأ عن المعمار في القرون الوسطى، يعرف أكثر إن شاهد ذلك في عين الحقيقة، كذلك ستصيبه الدهشة والفضول إذا شاهد ما قرأ في عين الواقع في القرن الحادي والعشرون …
كان مشهدًا أكثر روعة و واقعية عن الذي قرأته في الْكُتُبَ القديمة ، حيث جدران من حجر الجرانيت ملوْنة باللون الأصفر، و ثلاث دُعامات من شجرّ البلوط تسند سقفًا من الواح الخشَّب العتيق، والوان الأثاث المكتبي الفريد ورائحته في كل مكان ، حيث يغرق المكتب في الوان زاهية، ودفئ من مدفأة حجرية قابعة بالقرب من مجلس السيد قط.
كانت أنتيل تستشعر بشعور غريب راودها بُرَّهة وزرع في نفسها فضول رهيب و على طرف لسانها سؤال واحد أرادت أن تُلقيه للسيد، إلا أن نظرات بوغدون لها منعتها من فعل ذلك . في تلك الاثناء نهضّ السيد قِطَّ يشعل موقدًا قابعًا على طاولة صخرية، وبين محاولاته المتكررة في إشعاله كي يعد لهما القهوة، وهن يراقبن ما يحدث بعين الغرابة والفضول، ثم عاد وجلس خلف مقعده الخشبي وهو يشبك أصابعه ويهتز بجسده ليقول :
– مَرْحَبًا بكم ولكن لم أتشرف بمعرفة أسمائكن .
حينها نقلت بوغدون بصرها الذي كانت تجول به أركان المكتب عندما شَاهَدَتْ تِلْكَ الثُرَّيا المُعلقة على السقف والستائر المُزخرفة بكثافة، والسجاد ذو اللون الأحمر العميق، ثم تنحنحت وقالت :
–  أنا أُدعى بوغدون جاك ، وهذه صديقتي أنتيل دومنيك ، جميعنا في العقد الثاني ونيف .القدر هو الذي جعلنا نلتقي بك ياسيد قِطَّ ، لولا ذاك الرجل الصالح الذي عثر علينا في الضياع وجاء بنا إلى هُنَا الله وحده الذي يعلم ما يمكن أن يحدث لنا .
ضحك السيد قِطَّ بِسُخرية وأتبع يقول :
– رجل صالح ؟ هل تقصدين السيد كروجند؟
وقع هذا السؤال على مسامعهُنّ كأنه صاعقة من السماء، حيث وقفن في هيأة الخوف والترددّ حين اصابتهُنَّ الريبة، حينئذٍ قالت بوغدون متساءلة :
– من هو كروجند ؟ يبدو أن هذا الإسم سيلازمنا في أي مكان .
نهض السيد قطَّ فجأة عندما فار إناء القهوة  ثم وضع ثلاث أكواب من الفخار على طبق فخاري مستدير ، و جعل يصُبَّ لهن القهوة ، ثم تقدم و وضع أمام كلن مِنْهُنَّ كوبًا، وعاد بِخفّة نحو مقعدهُ ، وبعد أن شفط شفطةً من قدح قهوته قال :
– هل تعرفون السيد كروجند؟ هل هو مشهور لهذه الدرجة ؟
هزَّت أنتيل رأسها نافية وقالت:
– إن الذي نعرفه ليس بهذا المنظر ، لأن ذاك رجل مُسّن ويصغر هذا سنًا، بالإضافة إلى ذلك شكل الوجه يختلف عن ذاك . ولكن قل لي هل هو رجل سيئ السُمعة ؟
– نعم، لأنه يَأْخُذُ النساء إلى عمل الدعارة ويتخذَّ هذا مصدرًا للرزق .
وقتئذٍ تبين لهما سبب قدوم ذاك الشاب الذي ترك ورقته أمام أنتيل، ثم رأت بوغدون بأن الحديث سيأخذ منعطفًا آخر غير الذي تبغيه، وقتئذٍ تبسمَت وقالت وهي تعيد قدح قهوتها:
– نسأل الله له الهداية ، مع ذلك فقد ساعدنا في الخروج من تلك المحنة، فهذا أَيْضًا عمل خيرلأن جميعنا يخطئ، إلا أن في دواخلنا أشياء جميلة، وهذه الأشياء يعجز البعض عن إخراجها في واقعه الحياتي بسبب الظروف التي تفرض عليه نوعًا محددًا من الممارسات التي يعتقد بأنها هي الحل الذي سيأخذ بيده من الهلاك . نحن الآن نبحث عن مساعدة من حضرتك حتى نعود إلى بلدتنا أمنين
سكت السيد قط بُرَّهة  وراح يفكر وقد عمّ الهدوء المكان لحظة ونظرات متبادلة بينهُن في انتظار ما يتفضل به السيد ، إلا أنه ظلَّ صامتًا ثم هب واقفًا وطلب منهُّن الإذن ريثما يعود ، وأن يعتبرن أنفسهن في مكان آمن، ثم راحت أنتيل تفكر وتعود بذاكرتها بما جرى لها ولوالدتها…
سادَّت الدُنيا في عينيها عندما راودها شعور بالضياع ، وبحثها عن إجابة عن الزمان والمكان وهي تجلس على مقعد لا يشبه ما تعرفهُ ، ولا ذاك القدح الذي أمامها  لم يكن المكان مألوفًا لها .
أما بوغدون فقد وَجَدَتْ في تلك السانحة وَقْتًا لتنظر للأثاث الموزع في المكتب بإتقان وحرفية، وجعل نظرها يستمتع بما تشاهد، ثم نهضت وتوجهت نحو النافذة التي تحتضنها ستائر ذات قماش ثقيل ونقوش كثيفة على جانبيه، ثم أَخَذَتْ تنظر للخارج كأنها عصفور يبحث عن حرية افتقدها لسنين.
جمعت يديها أمامها و وقعت عيناها على تلك الطُرّق الخاوية من المارة وذاك الشلال المتفجَّر بين الأشجار، ثم قالت تحدث أنتيل دون أن تنظر لها:
– عبر هذه النافذة رائعًا، من المُدهش أن تنام و تستيقظ على مثل هذه الأماكن غير المألوفة ، هل نحن في مكان صحيح يا أنتيل ؟
لم تكن بوغدون تعلم بأن أنتيل تقف خلفها في تلك اللحظة و هي تحمل قدح قهوتها وتشاهد ذاك المشهد بعين الريبة لا بعين الإستمتاع، فالسماء هي السماء وإن اختلفت الأزمنة، والجبال ستظل كما هي مُنْذُ عهد الرسل والأنبياء، إلا أن ما يتغير هي أنواع الطيور والبشر، والأشجار.
بينما كانوا تشاهدون تلك اللوحة من الطبيعة والجمال المتدفق بدر في خاطرهن نهاية مأساوية غير متوقعة، و هَمَّتْ كلن منهن بالخلاص من محنة قد تدوم طويلًا ، ثم التفتت بوغدون وعلى طرف لسانها سؤالاً عكَّر صفوها :
– أين فيروزة أدم ؟ و كيف اختفت ؟
– ليتني أستطيع الإجابة يا بوغدون ، فأنا مثلك تائهة في هذا العالم الإفتراضي الذي اختلجت أضلعي بين زواياه و يعصرني كما الرحى . لا أجد ملجأ سوى اللله.
قالتها أنتيل وهي تُحدث نفسها في صمت ، دون أن تتفوه ببنت شفّة ، وقد تسللت دمعةً ساخنة بللت خديها ، حين شَعُرَتْ بأنها في حاجة بأن تحتضن صديقتها بوغدون ، من يدري رُّبَمَا تخففَّ عنها مأساتها واحتراقها الداخلي ، و قلبها الذي كاد أن يخرج من مخبئه …
في لحظة من الْحُزْنِ وهن يحتضن بعضهُنَّ وقد كان السيد قِطَّ يقف خلفهُن يتابع المشهد بغرابة، و ما أن إنتبهن لوجوده جفَّلنّ وكفكفت كُلُّنّ منهن دمعاتها المنهمرة ، وحاولت أن تعيد ملامج وجهها كي يبدو قويًا، و لكن في تلك اللحظة إنفجر السيد قِطَّ ضاحكًا و هو يضرب بيديه ويقول :
– لقد وجدت الحل إنه مكانًا دافئ، كما أنهُ هادئ حتى أتدبر لكما أمر السفر إلى مدينتكن ، مع إني لم أسمع بها إلا إنني سأبزل قصارى جهدي وهذا وعد مني. أنتن في مكان أكثر أمانًا .
ثم خَرَجَ الرجل و تقدمهن  وخلفه حارسه الشخصي يحمل بندقيته العتيقة ، فقد كان حارسًا عابس الوجه ينظر لهُنّ بنظرات مشمئزَّة حيث لم يتفوه ببنت شفَّة مُنْذُ أن بدأ اللقاء .ثم عَبْرٌ السيد قط البهو وانعطف يسارًا وخلفه بوغدون وأنتيل بخطواتٍ مترددة ، حتى وقف أمام إحدى الغُرّف و دفن يده داخل جيبه ثم نزع مفتاحه ودلف داخلها، ثم قال وهو يتجول حول ساحة الغرفة :
– هذا القسم مخصصّ فقط للذين يرغبون في قضاء أيام في قريتنا، غالبا ما يأتون من أمريكا و فرنسا والمانيا . و بعض الدول العربية، يمكنكم قضاء بعض الوقت هُنَا حتى أتدّبر لكما أمر السفر و هذا هو المفتاح .
في تِلْكَ اللَّحْظَةَ شعرَّت بُوغدون بالراحة والهدوء خَاصَّةً عندما خامرها شعور بوجود بعض الأشخاص في الْفُنْدُقَ وقد فَكَرَتٍّ في أن اللحظات القادمة ستكون رائعة حتى تعود لبلدتها ، و قد اكتشفت مكانًا مثل هذا . أما أنتيل فلا زالت تفكر و تتسائل مع نفسها ، ثم رمقتهُ بنظرة فاحصة لعل عينيه تخبرها بما يخفيه دواخله، ولكنه نظر إليها و هَرَبَ بنظره نحو بوغدون وهو يقول في عجالة من أمره  :
– اليوم سبت وغدًا يوجد حفل ساهر في المنتجع، من يدري ربما تجدون من تعرفونه من بلدتكم . أتمنى لكم وقتًا طَيِّباً. سنلتقي غَدَا في المساء ، آه شيء آخر، ستأتي النادلة وستقدم لكما وجبة الغداء بعد قليل . إلى لقاء .
غادر السيد قِطّ وصفق الباب خلفه تاركًا خلفه مشاعرًا متناقضة، بين بوغدون التي ترى بأن الأمر عاديًا، و أنتيل التي ترى في عينيه مُكَّر و سوء ، وفي الوقت نفسهُ كانتا في حاجة للشعور بالهدوء ونيل قسطًا من الراحة، خَاصَّةً أنتيل التي بدأت تشعر بتحسن حالتها عن ذي قبل ، ثم توجهن نحو خزانة الملابس التي كانت عامرة بالأزياء المغلفة بالبلاستيك…
ما بدا لَهُنَّ أن السيد قِطَّ أحضرها لهن  بَدَلًا عن تلك التي فقدوها في الطريق. كان فناء الغُرَّفة التي لا تتعدا الخمس وثلاثون متًرا ، مصبوغة باللون الوردي ومنقوش على صخر الجُدران رسوم مختلفة ، تلك الرسوم التي قرأت عنها بوغدون قبل وقت مضى، والتي تصف الحروب التي كانت بين المزراعين في أروبا ، وصورة للسيدة العذراء منقوشة باللون الأبيض .
أما الأسرة فقد كانت من خشب الصنوبر الأحمر ، و أرضية ملساء من حجر الجرانيت وسقف من خشب مقوى، وشمس الظهيرة تداعب ثقوب النافذة الخشبية العتيقة. استلقت أنتيل على سرير عند زاوية الغرفة وهي تنظر لبوغدون التي كانت تقوم بفتح تلك الملابس باحثة عن لبس ترتديه عند النوم …
في تِلْكَ الأثناء صدرّ صوت صرير جرس الباب ، حينئذٍ قالت بوغدون و هي تضع الملابس التي في يدها جانبًا :
– إنها النادلة جاءت في وقت مناسب لأني أشعر بالجوع
فتحت الباب وكان أمامها فتاة سمراء تجر عجلة عليها أصناف من الطعام، و قد بدا لها من الوهلة الأولى الحالة التي كانت عليها الفتاة . كانت في عجالة و توتر بالغ، ثم بصقت كلمةً مختصرة باللغة الفرنسية وغادرت، ما جعل بوغدون تشعر بالدهشة حين وقفت تنظر للفتاة وهي تنعطف يسارًا وتتلفت بسرعة واختفت كأنها شبح، حينها أغلقت بوغدون الباب .
وجعلت تترجم الكلمة الفرنسية التي سمعتها للتو والتي كانت تعني أسفل الصحن قبل الأكل . تقدمت بوغدون تجر العجلة حتى دلفت بها داخل الغرفة وجعلت تبحث أسفل الأطباق حتى عَثَّرَتْ على ورقة عليها عبارة واحدة جعلتهن يشعرن بأنهن في بداية معاناة جديدة قد تودي بحياتهن:
– لا تغفو ولا تنام .

شكرا لمتابعتكم للرواية، كما أعتذر عن التأخير لأسباب خارجة عن إرادتي، ويسعدني نقدكم البناء.لا تفوت متابعة احداث

روايات عربي  على موقعنا نحن نهتم بنشر روايات عربي

المشاركات الأخيرة